موقع المنار توداي22 ماي 2020..
ما وقع بحر هذا
الأسبوع بمدن مغربية حيت تحول التكبير من أسلوب حضاري إلى مسيرات إحتجاجية ضد
كورونا بل ضد الجوع و المطالبة بعدالة اجتماعية في بلاد ينخرها الفساد ، يرجعنا
إلى نقطة الصفر حول المقاربة بشأن الاسثتمار في الانسان التي تم إهمالها
مع سبق الاصرار والترصد لفائدة مقاربات أخرى على رأسها المقاربة الامنية و
غيرها لضبط المجتمع و الحفاظ على الامن العام ، و في إهدار للوقت و
المال و قتل كل المبادرات الناجعة الاخرى للرقي بالانسان و ضمان العيش الكريم
، اعتبارا لكون الجهل و الفقر و الجوع و الشعودة و الخرافة التي تمهد لعصر
بيع صكوك الغفران أكبر عدو للانسان و أكبر عائق لاي استقرار كيفما كان نوعه و
شانه.
إن دعم و تقوية أسس التخلف
عن طريق الإغداق بالدعم على الزوايا و الاضرحة و المعابد و فتح المجال لنخب
التضليل ، لن ينتج عنه سوى مجتمع ضارب في التخلف حتى النخاع و صعود نخب تعتمد
الشعودة و الخرافات و الاتجار بالدين ،هي ذات النخب التي استفادت من الفراغ
السياسي بعد قتل الاحزاب الديمقراطية و مضايقة الفكر الحر و أضحت ضمن صناع القرار
السياسي تتمادى في صناعة بؤر التخلف الملتحي و طقوس البدع الضالة و الحجامة و
الرقية و كل الدعوات لتحويلنا إلى زبناء محتملين لتجار بول البعير و الحبة
السوداء و عصير الزنجبيل .
ما وقع بالعديد من
المدن المغربية في محاولة لتكسير خطة الحجر الصحي للوقاية من فيروس كورونا يطرح
بشدة الاشكالات الحقيقية التي تعتبر العدو الرئيسي للاستقرار و الامن الروحي
للمغاربة ،أولها الفقر حيث 70 في المائة من المغاربة يعيشون على قوتهم اليومي
و يشتغلون كمياومين و بقاؤهم في المنازل دون أية حلول لمشكلهم الخبزي
القوتي يعد مغامرة غير محسوبة العواقب . ثانيها تفشي الجهل و الخرافة و أظن أن
الدولة هي السبب الرئيسي حيث دعمت و شجعت الاضرحة و المعابد و الزوايا عوض
بناء المساجد و الجامعات و المستشفيات و تشجيع البحث العلمي و قتلت الفكر
النقدي الحر و ضيقت الخناق على حرية التعبير و الصحافة و بالمقابل انتعش الفكر
الخرافي و تجار الدين و الملل الضالة و شجعت على فتح دكاكين الشعودة و الطب البديل
و الرقاة و هلم جرا .. إذ نسبة الامية شكلت أرقاما عالية تعتبر وصمة عار على
جبين النظام السياسي الحاكم الذي أغدق نسبة عالية من الدخل العام الوطني على
الخيار الامني و فرض التوازنات استجابة لافتاء الصناديق الدولية التي جعلت الاسثتمار
في الانسان يعد مغامرة سلبية لبناء الدولة الحديثة و الاسثتمار في التعليم و الصحة
، قتل لذات الدولة وفق التوصيات التي تدوس على كل مطالب الشارع المتزايدة في حين
تمت المغامرة بالانسان لأجل بقاء النظام السياسي القائم و إعمالا بفتاوي الصندوق
النقد الدولي الذي أغرق مستقبلنا بالديون و شجع على اسثتمار التوجه الذي يفتح
الباب على مصراعيه لتجار الازمات و القطاع الخاص الجشع لكي يكون كل شيء بثمن ، حتى
الهواء الذي نستنشقه.
إن ما حدث يجعلنا
نجزم أن لافرق بين تجار الدين و بائعي الزلطة و الفاسدين الكبار الذين يغامرون
بالانسان نحو مستقبل مخيف و مجهول و يقامرون باستقرارنا و أمننا ، وهم من
يسثتمرون في ضرب الفكر و العلم و يتحكمون في الهرم الاجتماعي العريض الذي يقتله
الفقر و الجهل ، تتفشى فيه الخرافة و تعاطي المخدرات ،هو الواقع الذي يتفرج عليه
النظام السياسي القائم و يعتبر أن بناء الدولة الحديثة تقويد لوجوده و
كينونيته ، أمام انبطاح التوجه اليميني في ابقاء الامور كما هي تسمى
بهبة الدولة و عدم فسح المجال لأي تغيير ،لانه المستفيد الأول من هذا الوضع دون
الرغبة في الاصلاح و تشجيع الاسثتمار في الانسان و محاربة كل البدع
الضالة و التجند لكل أشكال الفساد و الاستبداد و الضرب بيد من حديد ضد
المهربين و المغتصبين و تجار الازمات و تجار الدين و مزوري الحقائق الذين يقودون
البلاد و العباد إلى النفق المسدود .
كورونا إذن عرت
الواقع الحقيقي واقع الجهل و الفقر ،واقع البنيات الصحية المهترئة و واقع الاقتصاد
الهش ،عرت زيف المخططات الاقتصادية و الاجتماعية و أبانت بحق أن الاسثتمار في
الزوايا و المعابد و الاضرحة سوف لن نجن من ورائه سوى الوهم و أبانت كذلك أن
الاسثتمار في بناء الانسان و العمل على ضمان قوته و صحته و تعليمه يسبق الاسثتمار
في أمنه ، دون اعتبار للمحددات السياسية التي فتحت المجال واسعا لتجار الازمات و
تجار الذمم و الملل.
الكاتب ...مصطفى فاكر